Monday, November 26, 2018

الرئيس الراحل عبد الرحمن عارف

 عبد الرحمن عارف
نبذة مختصرة عن سيرته
(1968-1966)

عبد الكريم هاني


عبد الرحمن عارف وزوجته فائقة العاني في رحلة رسمية الى باريس على متن طائرة 
 الخطوط الجوية العراقية عام 1967


كان عبد الرحمن عارف عضوا في تنظيم الضباط الأحرار الذي تشكل في أواخر الأربعينيات من القرن الماضي والذي كان يخطط للإنقلاب على النظام الملكي لوضع حد لإبتعاد العراق عن الصف العربي وتبنيه المخططات البريطانية والأمريكية ولتحقيق الأهداف القومية والوطنية .

استطاعت القوات التي قادها أخوه عبد السلام عارف السيطرة على المواقع المهمة صباح 14 تموز عام 1958 وأذاع بنفسه وبتوقيعه كنائب للقائد العام للقوات المسلحة بيان الثورة الأول بإلغاء النظام الملكي واعلان الجمهورية وتعيين مجلس السيادة برئاسة الفريق محمد نجيب الربيعي وعضوية محمد مهدي كبة وخالد النقشبندي في تجسيد واضح للمشاركة الوطنية ولست أقول المحاصصة البغيضة وتعيين عبد الكريم قاسم رئيسا للوزراء وقائدا عاما للقوات المسلحة . وهكذا أصبح قاسم قائدا للثورة ورئيسا للوزراء ببندقية عبد السلام وبصوته وبتوقيعه أيضا مما ولد لديه عقدة أدت مع الوقت الى إحالة عبد السلام لمحكمة حكمت عليه بالإعدام ولكن الحكم لم ينفذ ، ثم إصدار قاسم العفو عنه بعد أكثر من ثلاث سنوات .  ساهم عبد الرحمن في تحقيق الثورة بالقوة التي كانت بأمرته وبقي في الموقع الذي يتناسب مع رتبته ولم يتأثر موقعه أو علاقته بعبد الكريم بما أصاب شقيقه عبد السلام حتى وصل الى قائد الفرقة الخامسة في آخر أيام قاسم .


رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم (1958-1963)ا

عند الهجوم على قصر الرحاب حيث كان يسكن الملك فيصل الثاني ، قتل الملك والعائلة المالكة بصورة ما يزال يلفها الغموض بالرغم من مضي نصف قرن ، فقد ادعى الكثيرون بطولة تلك المجزرة في أول الأمر ولما هدأت الأمور وبدأ الشعور العام باستنكار ما حصل تبرأوا من الحدث وبدأوا بتوزيع الإتهامات وزالت حقيقة تلك المجزرة .

تحالف الضباط القوميون والبعثيون بعد خلافهم مع قاسم واستطاعوا السيطرة على الحكم واعدام قاسم في شباط 1963 وأصبح عبد السلام عارف رئيسا للجمهورية وأحمد حسن البكر رئيسا للوزراء وطاهر يحيى رئيسا لأركان الجيش ثم استطاع عبد السلام عارف بالتعاون مع القوميين استغلال الأخطاء التي وقع بها البعثيون والحرس القومي التابع له وأن يخرج البعث من السلطة في 18 تشرين الثاني 1963 فعين أحمد حسن البكر نائبا لرئيس الجمهورية لتهدئة البعثيين وعين طاهر يحيى رئيسا للوزراء وعبد الرحمن عارف رئيسا لأركان الجيش ، كما وأشرك القوميين في وزارة أنهت الخصومة مع الجمهورية العربية المتحدة وتبنت سياسة أكثر قربا منها وتضمن الدستور العمل على تحقيق الوحدة معها .


                     
 الرئيس عبد السلام عارف 1963-1966                                     الرئيس أحمد حسن البكر 1968-1979                         
                                                  
        
بعد مقتل عبد السلام عارف تعاون القوميون بضمنهم الناصريون مع بعض ضباط الجيش في إيصال عبد الرحمن الى رئاسة الجمهورية لقطع الطريق على عبد الرحمن البزاز وعلى عارف عبد الرزاق الذي كان 
عبد الحكيم عامر متحمسا لتأييده .


عبد الرحمن عارف (من اليمين) مع عبد الرحمن البزاز عام 1966

اشتهر عبد الرحمن عارف بالحلم والتسامح والتواضع وعفة اليد واللسان ، ولعل اجتماع هذه الصفات فيه بالإضافة الى ظهوره بعد شقيقه عبد السلام ذي الشخصية الجريئة والمندفعة حتمت المقارنة بين الإثنين وأدت الى ما انتقده البعض بالضعف وهذا غير صحيح . ولكن أحيانا كان ينقصه الحزم وسرعة الحسم .  ولعل هذا مضافا الى قصر حكمه الذي دام سنتين يفسر ندرة البحوث التي تؤرخ لعهده وشخصيته لأن أغلب البحوث تتجه نحو الأحداث الساخنة .

تحقق السلام داخل الوطن في عهد عبد الرحمن عارف والتوازن في علاقات العراق العربية ومع دول الجوار حيث زار إيران لتحسين العلاقات معها  ونجح في جمع الأردن وسوريا في الجبهة الشرقية وتقرر في عهده استثمار النفط والكبريت استثمارا وطنيا مباشرا .


عبد الرحمن عارف وزوجته فائقة العاني يتوسطهما شاه إيران في زيارة الى طهران
بتاريخ 14 آذار 1967


عبد الرحمن عارف مع الملك حسين في
عمان عام 1967

 هذه التوجهات الثلاثة هي التي سببت تحرك جماعة عبد الرزاق النايف وسعدون غيدان وابراهيم الداوود للتآمر ضد عبد الرحمن عارف وإنهاء عهده في 17 تموز 1968


سعدون غيدان (من اليمين)  مع عبد الرزاق النايف
____________________________

شغل الكاتب عبد الكريم هاني منصب وزير العمل والشؤون الإجتماعية في عهد عبد  السلام وعبد الرحمن عارف . 

عبد الكريم هاني




الصور التي يظهر فيها عبد الرحمن عارف هي من الآرشيف الخاص لإبنه قيس عارف

صورة عبد الرحمن البزاز هي من آرشيف أخيه حسن البزاز 

Friday, September 7, 2018

وثيقة التأمين من الحريق

المصور آرشاك والسفارة البريطانية
هامش على غطاء وثيقة التأمين من الحريق - 1958

مصباح كمال

خلفية الموضوع

اثنان من إخواني لهما اهتمام كبير بتاريخ عائلتنا، وبين الحين والآخر يقومان بتوزيع كتاباتهما بهذا الشأن ليقرأها أفراد العائلة ممن بقي على قيد الحياة.  ومما كتبه مؤخراً أصغر إخوتي، ورقة بعنوان "صورة لن تُمحى من ذاكرة العائلة: قرن من الزمان على صورة فوتوغرافية"[1]، وكانت المناسبة هي "مرور (100) مائة عام على الصورة الفوتوغرافية لوالدنا (غازي عسكر) مع أخيه (أكبر)، والكتابة على الصورة من قبل والدنا تشير انها التقطت سنة 1918م أي بعد احتلال العراق ودخول القوات البريطانية إلى بغداد في 11 آذار 1917م."

ويضيف إلى ذلك أن الصورة أخذت في دارهما ببغداد محلة البارودية، وأن "عمنا (أكبر- أبو وحيد) كان يعمل مصوراً، وربما كانت تربطه صلة معرفة بالمصور الأهلي كونه مصوراً ولقرب سكنه من محل التصوير، أو عمل عنده قبل أن يرحل إلى خانقين.. لذلك نستطيع القول بأن احتمالية التقاط الصورة كانت من قبل المصور الأهلي أبو قدري."[2]






ضمت الورقة مقطعاً بعنوان "المصور آرشاك وشركة التأمين" جاء فيها ما يلي:

من المصورين الذين دونوا تاريخ العراق إضافة إلى المصور الأهلي، المصور آرشاك وكان محله بمدخل حافظ القاضي في شارع الرشيد، وعند قيام انقلاب 14 تموز 1958 حُطم محل ارشاك تحطيما شاملا من قبل الجماهير الثائرة ضد الحكم الملكي ولما استقر الوضع راجع شركة التأمين كونه مؤمنا على محله لديها لكن الشركة رفضت تعويضه لوجود فقرة بأن الشركة غير ملزمة بالدفع لأي محل أو دار أو شركة تتعرض لأعمال شغب أو هيجان شعبي وبما ان محل المصور ارشاك تعرض لمثل هذه الأعمال فإن شركة التأمين لم تدفع أي مبلغ وغير مُلزَمة لتعويضه على ما جرى لمحله."

وقد طلب مني أخي في ورقته بيان موقف التأمين من أعمال الشغب.

كما هو معروف فإن موقع استوديو آرشاك كان قريباً من ساحة حافظ القاضي، واشتهر آرشاك بالتقاط صور ملوك العراق وشخصيات عراقية عديدة كان من بينها صورة عائلية تجمع بين والدينا واثنين من أخوتنا في نيسان 1941.



أستوديو آرشاك والتأمين

تعرض استوديو آرشاك، كما جاء في الاقتباس أعلاه، إلى تخريب من قبل "الجماهير الثائرة" في 14 تموز 1958.  قوبلت مطالبة آرشاك بالتعويض عن الأضرار التي أصابت الاستديو بالرفض من شركة التأمين لأنها تستثني أعمال الشغب أو الهيجان الشعبي من وثيقة التأمين.

لا نعرف اسم الشركة التي قامت بالتأمين على أستوديو آرشاك أو نوع وثيقة التأمين الخاصة بالأستوديو ولكننا نفترض بأنها كانت وثيقة للتأمين من الحريق اعتماداً على ذكر أعمال الشغب والهيجان الشعبي (الاضطرابات الأهلية).

تعتمد الملاحظات التالية على قراءة ما يُعرف بشروط وثيقة الحريق النموذجية Standard Fire policy وكانت، وما تزال، شركات التأمين العاملة في العراق تستخدم هذه الوثيقة، ومصدرها الوثيقة النموذجية البريطانية بذات الاسم، وكانت من إعداد لجنة مكاتب الحريق في لندن Fire Offices Committee (تأسست اللجنة سنة 1858 وتوقفت في أوائل ثمانينيات القرن الماضي مع تأسيس جمعية شركات التأمين البريطانية سنة 1985 Association of British Insurers).

إن الغطاء الأساسي لوثيقة الحريق النموذجية توفر الضمان من:

الحريق، سواء نشأ عن انفجار أو غيره، الصاعقة، سواء نشأ عنها حريق أو لم ينشأ، انفجار المراجل المنزلية، انفجار الغاز المستعمل لأغراض منزلية أو للتدفئة أو للإضاءة.[3]

إن الأضرار التي لحقت بأستوديو آرشاك لا تندرج ضمن الأخطار المذكورة، وهذا سببٌ كافٍ لرفض المطالبة بالتعويض لانتفاء قيام حريق أو انفجار أو صاعقة (وثيقة تأمين الحريق تُصنّف ضمن وثائق التأمين التي تغطي أخطاراً محددة بالاسم، أي أنها ليست من نمط وثيقة تأمين جميع أخطار الممتلكات التي لا تُسمّي الأخطار التي تغطيها).  إن الخطر المسبب للأضرار هنا هو أعمال الشغب أو الهيجان الشعبي، وكلاهما يخضعان للاستثناء من وثيقة الحريق النموذجية.  يكتب الأستاذ بهاء بهيج شكري سنة 1960:


لا يعتبر غطاء وثيقة التأمين شاملاً للأضرار التي تسببها أو ساهم في تسببها بصورة مباشرة أو غير مباشرة أحد المخاطر التالية [هناك عدة استثناءات يذكرها المؤلف ومنها]:

الحرب، الغزو، أعمال العدو الأجنبي، العدوان والعمليات الحربية (سواء أعلنت الحرب أم لم تعلن)، التمرد، الاضطرابات، الهيجان الشعبي، العصيان، الثورة، الانقلاب، التآمر، القوة العسكرية أو البحرية أو اغتصاب السلطة، الأحكام العرفية، حالة الطوارئ، أو أي سبب يستدعي إعلان حالة الطوارئ أو استمرارها.[4] [التأكيد من عندي]

لا يَرِدُ هنا ذكر "الشغب" لكن المؤلف يُفصّل شروط تأمين هذا الخطر، كخطر إضافي يُلحق بوثيقة تأمين الحريق النموذجية لقاء قسط تأمين إضافي، كما يلي:[5]

الشغب Riot  - وتتحقق حالة الشغب إذا توافرت الشروط التالية:

‌أ-       اجتماع ثلاثة أشخاص أو أكثر.
‌ب-  أن يكون لهؤلاء الأشخاص غرض مشترك.
‌ج-    أن ينفذوا أو يشرعوا في تنفيذ غرضهم المشترك.
‌د-   أن يقصد كل واحد منهم معاونة الآخر ولو بالقوة عند الضرورة ضد كل من يقف حائلاً دون تنفيذ الغرض المشترك.
‌ه-   أن يصدر منهم القدر الكافي من العنف لإخافة شخص واحد على الأقل ممن يتصفون بالجرأة والشجاعة المعقولة.

لو كانت وثيقة الحريق النموذجية الخاصة بأستوديو آرشاك وثيقة تأمين بغطاء موسع يضمُّ تأمين المخاطر الخاصة Special Perils كالشغب والاضطرابات الأهلية التي يعرّفها الأستاذ شكري كالآتي:

يصف هذا المصطلح قيام مجاميع من الأشخاص بدوافع اجتماعية أو دينية أو طائفية أو عنصرية، أو على سبيل الاحتجاج على سياسة الحكومة، بإحداث نوع من الفوضى والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة بهدف إقلاق الراحة العامة ....[6]

لكان بإمكان السيد آرشاك استرداد كلفة الخسارة المادية التي لحقت بالأستوديو من جراء الشغب والاضطرابات الأهلية.  ويبدو من المعلومات القليلة التي وفَّرها أخي أن موقف شركة التأمين برفض المطالبة بالتعويض كان صحيحاً.

حالات أخرى

شهد تاريخ العراق العديد من حوادث الشغب والاضطرابات الأهلية والسرقات المصاحبة لها ومن بينها الفرهود (مصطلح عراقي صرف)، وأشهرها في زماننا فرهود حزيران 1941 الذي انصبَّ على المواطنين اليهود، وأحداث الشغب التي رافقت ثورة/انقلاب تموز 1958، والنهب والتدمير للممتلكات الخاصة والعامة الذي صاحب الغزو والاحتلال الأمريكي للعراق نيسان 2003.

لم يخضع الجانب التأميني من هذه الحالات للتوثيق والبحث ربما بسبب انعدام المستندات الخاصة بها.  سألت البعض عن هذه الحالات لكنني لم أحصل على جواب.  ولي محاولة متواضعة قمت بها أثناء كتابة ورقتي عن اليهود والتأمين في ذاكرة عزرا حكّاك [7] ، حيث سألته فيما إذا كانت بعض المحلات التجارية والبيوت التي تعرَّضت للفرهود في بغداد (2-1 حزيران 1941) مؤمّنة ولكن لم يستطع عزرا حكّاك توفير الجواب لأنه وقتذاك كان في طهران. لكن الصديق أميل كوهين الذي عرضتُ عليه قراءة مسودة مقابلتي مع الحكاك كتبَ التالي:

"حسب علمي لم تكن المحلات التجارية والبيوت التي تعرضت للفرهود مؤمنة وحتى لو كانت مؤمنة فأعتقد أن شركات التأمين ترفض إعطاء التعويضات على أساس أنه لم تكن هناك حكومة في يومي الفرهود، أي أن الدولة في حالة فوضى.  أتذكر أن السفارة البريطانية في بغداد تعرضت للحريق بعد مظاهرة شعبية عقب ثورة 14 تموز 1958 بكم يوم ورفضت شركة التأمين أن تعوض السفارة البريطانية او بالأحرى صاحب البناية.  فأقام صاحبها دعوى ضد شركة التأمين في إحدى المحاكم العراقية واستُدعِيَ والدي كشاهد خبير أمام المحكمة وكانت شهادته أن الثورة انتهت وأن البلد كان له حكومة مسيطرة على إدارة الدولة وليس هناك فوضى، وإن ما حصل ليس حرباً بل هو مظاهرة وهذا، حسب قواعد التأمين لدى شركة التأمين لا يعتبر حالة استثنائية.  وافقت المحكمة على شهادته وصدر القرار بتعويض صاحب المبنى."[8]

وكان تعليقي على ما كتبه أميل كما يلي:

جرت العادة في التأمين غير البحري على الممتلكات (هناك شروط خاصة بالنسبة لغطاء الحرب في التأمين البحري) على استثناء "الحرب، الغزو، أعمال العدو الأجنبي، العدوان أو العمليات العسكرية (سواء أعلنت الحرب أو لم تعلن) والحرب الاهلية."  وكذلك "التمرد، الشغب، الهيجان الشعبي، الانقلاب العسكري، الفتنة، العصيان، الثورة، القوة العسكرية أو القوة الغاشمة أو حالة الحصار أو أي من الحالات أو الأسباب التي تدعو إلى إعلان أو استمرار حالة الحصار أو الأحكام العرفية."  وليس لنا أن نُقيِّمَ ونحكم على رأي الشاهد الخبير من دون التعرُّف على شروط وأحكام واستثناءات وثيقة التأمين.
  
حاولت الحصول على معلومات إضافية من أميل عن هذا الموضوع ودور والده للكشف عن الأبعاد التأمينية والكتابة عنه إلا أن ذاكرته لم تتعدَ ما كتبه.  وليس هناك الكثير عن المظاهرة أمام السفارة البريطانية والضرر الذي أصاب بعض المباني ومقتل الملحق العسكري للسفارة.  وقد استهديت إلى الكتاب التالي الذي يُقدّم وصفاً وتحليلاً لما جرى:


Juan Romero, The Iraqi Revolution of 1958: A Revolutionary Quest for Unity and Security (Lanham, MD and Plymouth, UK: University Press of America, 2010), pp 124-125.

Juan Romero's Book [9]



معلومات إضافية حول تعرض السفارة البريطانية للحرق والنهب

بعد أن انتهيت من الكتابة لأخي عرضتُ ما كتبت على الزميل فاروق يونس لأنه صاحب ذاكرة قوية وله خزين هائل من المعلومات.  وقد أفادني بمعلومات مهمة لخَّصها في رسالتين.  كتبَ التالي في الرسالة الأولى (4 نيسان 2018):

قصة المصور ارشاك مع شركة التأمين واضحة في رسالتكم ولكن هناك قصة مماثلة حيث تعرضت السفارة البريطانية يوم ١٤ تموز ١٩٥٨ للحرق والنهب وقد طالب السفير البريطاني من الحكومة العراقية بالاعتذار والتعويض.  والذي حصل ان عبد الكريم قاسم لم يعتذر ولكنه وافق على التعويض وحصلت السفارة البريطانية آنذاك على مبلغ مناسب (انظر: العراق في مذكرات دبلوماسيين بريطانيين، ترجمة وتعليق خليل ابراهيم حسين الزوبعي بغداد ٢٠٠٢)

في رسالته الثانية بنفس التاريخ كتب:

اليك ترجمة ما كتبه السير همفري تريفليان السفير البريطاني في بغداد في كتابه The Middle East In Revolution ص٤٣ وص٤٤

١٩٥٨-١٩٦١

(استغرقت مسألة التعويض عن موت أحد أعضاء السفارة وعن التدمير الذي أصاب السفارة وفقدان بعض ممتلكاتها حوالي السنة والنصف.  لقد ابتدأنا المطالبة بتعويض مقداره ٢٥٠٠٠٠ باون وانقصناه بعد ذلك الى ٢٠٠٠٠٠ باون والذي ظل رقما قابلا للمساومة.

لم يعد البيت القديم صالحا للسكن وتم تصميم مبنى جديد للسفارة وبعد سنة من المباحثات المخيبة للآمال جلست مع قاسم في احدى الامسيات ودخلنا بمعركة مساومة لمدة ساعتين ابتدأت بـ (٢٠٠٠٠٠) باون وابتدأ قاسم بـ(٥٥٠٠٠) باون وكان كل منا يحاول ان يجعل رقمه قابلا للتسوية وكان قاسم يؤكد ان اعضاء السفارة هم الذين تسببوا في حرق السفارة وذلك بالبدء في حرق اوراقهم وان المشاكل كلها ابتدأت بفتح النار على جمهور مسالم واضاف انه الأمر له ما يبرره بان الشعب يحرق السفارة بعد الأخطاء التي عانوا منها من البريطانيين.  واخيرا توصلنا الى مبلغ (١٢٠٠٠٠) باون ودفع المبلغ دون تأخير.  لقد كنا محظوظين بالحصول على هذا التعويض فلو تأخر ذلك سنة او سنتين لما حصلنا على شيء ابدا على وفق الظروف في ذلك الحين)

ثم ألحقها بمعلومات عن المصدر الذي نقل عنه:

الكتاب المترجم يتألف من جزءين الأول باسم Middle East In Revolution كتبه السفير البريطاني في بغداد همفري تريفليان منذ كانون الاول ١٩٥٨ حتى عام ١٩٦٣.  والجزء الثاني ترجمة كتاب المستشار الشرقي سام فول Sam Falle الذي يجيد العربية اجادة تامة والذي صاحب السفير البريطاني مايكل رايتMichael Wright  في مواجهة قاسم وعبد السلام يوم ١٤ تموز.

عن الكتاب
بيت الحكمة
رقم الايداع في دار الكتب والوثائق ٢٢ ببغداد لسنة ٢٠٠٣
مطبعة الفرات
ترجمة خليل ابراهيم حسين الزوبعي
مراجعة عبد الوهاب عبد الستار القصاب

ولد المترجم في العزيزية - الكوت ودخل الكلية العسكرية وتلقى دروسه العليا في الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد السوفيتي ومصر وألمانيا.  وعين وزيرا للصناعة ١٩٦٧-١٩٦٨.  له ترجمات كثيرة عن تاريخ العراق.

ملاحظات على المعلومات الإضافية

إن حادثة حرق ونهب السفارة البريطانية (1958) ليس فريداً في تاريخ النهب والتدمير والقتل في العراق.  وكنا شاهدين عليها خلال الاحتلال الأمريكي للعراق (2003).

ستمضي عدة سنوات قبل أن تصدر اتفاقية فينا للعلاقات الدبلوماسية لسنة 1961 التي جاء فيها (المادة 22):

تتمتع مباني البعثة بالحرمة، وليس لممثلي الحكومة المعتمدين لديها الحق في دخول مباني البعثة إلا إذا وافق على ذلك رئيس البعثة.

على الدولة المعتمد لديها التزام خاص باتخاذ كافة الوسائل اللازمة لمنع اقتحام أو الإضرار بمباني البعثة وبصيانة أمن البعثة من الاضطراب أو من الحط من كرامتها.

لا يجوز أن تكون مباني البعثة أو مفروشاتها أو كل ما يوجد فيها من أشياء أو كافة وسائل النقل عرضة للاستيلاء أو التفتيش أو الحجز لأي إجراء تنفيذي.[10]

ليس هناك سياق تأميني يخص موت أحد أعضاء السفارة البريطانية أو الأضرار المادية التي لحقت بمبنى السفارة البريطانية ومحتوياتها أو المباني المجاورة.  وليس معروفاً إن كانت بناية السفارة مؤمناً عليها أو أن حياة أعضاء السفارة كانت موضوعاً للتأمين.  من المعروف أن السفارات والقنصليات والدوائر الدبلوماسية تقوم بالتأمين على مبانيها ومحتوياتها بضمنها مساكن كبار الدبلوماسيين، وكذلك مسؤوليتها كرب عمل، ومسؤوليتها المدنية، والسيارات العائدة لها، وغيرها من وثائق التأمين.

الطريف فيما كتبه السفير البريطاني هو التفاوض المباشر بينه وبين الزعيم عبد الكريم قاسم ،  ولكن ليس معروفاً كيف وصل الأمر إلى انشغال الزعيم دون غيره بهذا الموضوع.

نستنتج من هذه المعلومات أن أياً من شركات التأمين العراقية في ذلك الوقت لم تكن معنية بالتأمين على مبنى السفارة أو الأفراد العاملين فيها وإلا لكان موت أحد اعضاء السفارة والتدمير الذي لحق بالسفارة وفقدان بعض ممتلكاتها موضوعاً للمطالبة بالتعويض من شركة تأمين عراقية.

إن مهمة البحث في تاريخ التأمين العراقي تقع على عاتق من يمتلك أدوات البحث الأكاديمي والقدرة على الوصول إلى المصادر المختلفة.


28 نيسان 2018





[1] نهاد غازي عسكر كمال، صورة لن تُمحى من ذاكرة العائلة: قرن من الزمان على صورة فوتوغرافية: أكبر كمال محمد جميل أفندي (1893-1951م) - غـازي عسكر كمال محمد جميل أفندي (1907-1986م) (بغداد: نيسان، 2018).  كتيب إلكتروني غير منشور.

[2] كتب نهاد التالي عن المصور الأهلي، ص 7:

المصور الأهلي البغدادي (عبد الرحمن محمد عارف البياتي، 1894-1960م)، وهو من مواليد بغداد، محلة الطوب، مدخل شارع الجمهورية، من أقدم وأوائل المصورين في العراق الذين افتتحوا محلا للتصوير في مدخل سوق الهرج وبقي فيه حتى عام 1924 وانتقل إلى عدة محلات إلى ان استقر في محل بجوار مقهى الزهاوي.

كان المصور الأهلي صديقاً حميماً لجميع الوجوه المعروفة آنذاك ومنهم الشاعر الشعبي الملا عبود الكرخي الذي كتب قصيدة طويلة طريفة في الثناء على فن المصور: عبد الرحمن منها قطعة تشوف مكتوبه بهل عنوان.. المصور ابو قدري الاهلي بالميدان.. اخذوا رسومكم عنده الوقت حان.. والفرصة اغتنموها يا اهل بغداد.

بعد وفاته تولى الاستوديو، ولده عبد القادر عبد الرحمن البياتي والمعروف باسم قدري (تولد القدس 1921- وفاته في بغداد 1989) إذ أخذ المهنة عنه كما هو أخذها عن ابيه. اغلق المحل منتصف ثمانينات القرن الماضي لأسباب مجهولة. وأخته هي السيدة (بلقيس عبد الرحمن البياتي)، زوجة وصفي طاهر محمد عارف البياتي (1918-1963)، المرافق العسكري الاقدم للزعيم عبد الكريم قاسم.

[3] T. R. Smith and H. W. Francis, Fire Insurance Theory & Practice (London: Stone & Cox (publications) Ltd, 1975.  1st Edition 1938), p 33-35.
بهاء بهيج شكري، النظرية العامة للتأمين (بغداد: مطبعة المعارف، 1960)، ص 370-372.
منعم الخفاجي، مدخل لدراسة التأمين (بيروت دار المعارف، 2018)، ص 55-56.


[4] بهاء بهيج شكري، مصدر سابق، ص 372.

[5] مصدر سابق، ص 376 نقلاً عن: T. R. Smith, Fire Insurance Theory and Practice.  لا يذكر المؤلف الصفحة التي نقل منها هذه الشروط.  ترد هذه الشروط في طبعة سنة 1975 في الصفحة 38.

[6] بهاء بهيج شكري، المعجم الوسيط في مصطلحات وشروط التأمين، 2ج، ج1، (عمّان: دار الثقافة للنشر والتوزيع، 2016)، ص 266.

[7] مصباح كمال، "اليهود والنشاط التأميني في العراق: التأمين في ذاكرة عزرا حكّاك،" المنشورة في موقع أكاديميا ومرصد التأمين العراقي

[8] مصباح كمال، "اليهود والنشاط التأميني في العراق: التأمين في ذاكرة عزرا حكّاك،" المنشورة في موقع أكاديميا ومرصد التأمين العراقي

Sunday, April 1, 2018

Tuesday, March 6, 2018

Ara Khajador - Short and Informative Phone Interview


Despite Long-Term Imprisonment,  Ara Maintained His Humor and Patriotism for Iraq




Thursday, February 1, 2018

Princess Badeea



Interview with Princess Badeea
on Wednesday, July 23, 2008 in London
حوار مع الأميرة بديعة
في يوم الأربعاء 23 تموز 2008



More information about this interview and Princess Badeea is found here

Monday, January 15, 2018

Abdul Karim Hani: Baghdad's College of Medicine & Iraqi Minorities - English Subtitles


عبد الكريم هاني : كلية الطب في بغداد والأقليات العراقية
سُجّل الحوار في عمان ، الأردن



شغل عبد الكريم هاني منصب وزير العمل و الشؤون الإجتماعية
 في زمن الرؤساء عبد السلام وعبد الرحمن عارف وبالتحديد بين
تشرين الثاني 1963 وأيلول 1965 ، ثم وزير العمل والشؤون الإجتماعية ووزير الصحة في الوزارة التي رأسها عبد الرحمن عارف وبعد ذلك وزيرا للعمل والشؤون الإجتماعية في وزارة طاهر يحيى بين كانون الثاني الى 17 تموز 1968 

Abdul Karim Hani, Minister of Labor and Social Affairs between Nov. 1963 and Sep. 1965, Minister of Labor and Social Affairs and Acting Minister of Health in the cabinet headed by President Abdul Rahman Arif between May and July 1967, and then Minister of Labor and Social Affairs in the cabinet headed by Tahir Yahya between Jan. and July 17, 1968