Tuesday, January 21, 2020

الحرب العراقية - الإيرانية : تدوين من خدموا فيها - الجزء الأول


عبور الكارون
نزار السامرائي

The English Translation


 نقلتُ مقر إقامتي إلى البصرة باعتبار جبهتها هي الجبهة الأكثر سخونة مع عدد كبير من الصحفيين العرب والأجانب، وأقمت في فندق حمدان . في تشرين الثاني (نوفمبر) 1980 اتصل بي المقدّم عبد المنعم السامرائي، ضابط التوجيه السياسي في الفرقة الثالثة، وقال إنّ إنجازا عسكريا كبيرا حققته فرقته، وطلب أنْ أهيّىء عددا محدودا من الصحفيين بما لا يتجاوز عن اثني عشر صحفيا لزيارة ميدانية للمنطقة. 

ومن أجل اختيار صحفيين يمثلون أوسع تغطية لوكالات الأنباء والصحف وشبكات التلفزيون والراديو دعوت إلى لقاء عاجل الصحفيين الذين اكتظت بهم أكبر قاعات فندق حمدان، واندفع المئات منهم يسألون عن حقيقة ما سمعوا من مصادرهم عن تطورات ميدانية، وسعوا لتأكيده من قبلنا، خاصة بعد النفي الإيراني على لسان صادق خلخالي، كانت القوات العراقية قد نجحت في عبور نهر الكارون إلى ضفته الشرقية.

كان عدد الصحفيين من غير العراقيين يقرب من 300 صحفي، والحد الأقصى المسموح لنا اصطحابه معنا لا يزيد على 12 صحفيا بأي حال. تحدثت إليهم وطلبت منهم أنْ يرشحوا من بين صفوفهم العدد المطلوب ولمّا امتدّ الجدل من دون التوصل إلى نتيجة نهائية، عزمت على الاختيار بنفسي، خاصة وأنّ سيارتين فقط من نوع لاند كروزر وصلتا لنقلنا إلى منطقة الحدث.

فاخترتُ الجنرال أدوارد فرسدون المراسل الحربي لصحيفة الديلي تلغراف التي تصدر في لندن، وكذلك مراسل هيئة الإذاعة البريطانية البي بي سي، ومراسل وكالة الأنباء الفرنسية، ومراسل وكالة يونايتد بريس، وآخرين اكتمل العدد المطلوب بهم. 

بعد رحلة وسط أجواء حربية، وصلنا المقر الجوال لقيادة الفرقة المدرعة الثالثة، كان في انتظارنا العميد الركن قدوري الدوري قائد الفرقة، ويبدو أنّه كان على معرفة قديمة بالجنرال فريدسون الذي تبادل معه حديثا تحليليا عن تطورات الحرب وخاصة في قاطع البصرة . وبعد ضيافة سريعة، حضر الرائد الركن سفيان التكريتي، ضابط استخبارات الفرقة، ثم صحبنا في جولة ميدانية، بدأت بعبور نهر الكارون بواسطة عبّارة عسكرية، لأنّ الجسر العسكري، ينصب ليلا فقط خشية من تعرضه للقصف. بعد عبورنا، حيث كانت أعمدة الدخان الأسود ترتفع عاليا من ألسنة لهب تلفح الوجوه عن بعد، قال سفيان التكريتي: 

هذا أنبوب نفط خام تم اكتشاف وجوده بمحض الصدفة أثناء القصف المدفعي، ونتيجة ذلك قطعت إمدادات النفط الخام عن مصفاة عبادان.

واصلنا تقدّمنا في الجانب الآخر من نهر الكارون، عبر طريق ملتو محاذ لطريق الأحواز – عبادان وصرنا نركب تارة الطريق المعبّد وتارة أخرى ننزل منه نتيجة وجود قنوات ري تقطعه من الشمال إلى الجنوب. كانت عشرات الشاحنات المحملة بمختلف البضائع والحافلات المحترقة تقف على جانبي الطريق، وفي رحلة مملوءة بالمخاوف والأخطار وصلنا محطة تلفزيون عبادان بعد حسم المعركة بساعات حيث كانت محطة توليد الطاقة الكهربائية ما تزال تعمل. لم أعد أتذكر تاريخ بداية هذه المعركة ونهايتها ولا اسمها ولكن علمت من قراءتي لكتاب نزار الخزرجي بأن اللواء المدرع السادس من الفرقة المدرعة الثالثة هو الذي نفذ عملية العبور حيث تمكن العراقيون "من عبور نهر الكارون بعرض 400 م والاندفاع باتجاه عبادان وقطع الطريق عبادان الأحواز". وفي الفناء الخارجي إلى جانب سياج بناية تلفزيون عبادان، جلس مايقرب من أربعين أسيرا إيرانيا بانتظار نقلهم إلى منطقة آمنة. دخلنا مبنى محطة التلفزيون الذي كان معظم أجزاءِها قد تعرض للتدميرأثناء العمليات الحربية والقصف المدفعي.

لم يكن الظرف يسمح بالبقاء طويلا في محطة التلفزيون أو قربها، لأنّها وفقا لتقاليد الحرب، هدفٌ مسجلٌ لنيران مدفعية الإسقاط، لذلك طلب منّا الرائد سفيان التكريتي العمل بسرعة لكي نترك المكان، فانطلقنا من هناك الى الطريق العام باتجاه مدينة عبادان، وبعد مسافة كيلومترين ونصف تقريبا، توقفنا إذ التقط مصور الـ BBC فلما عن المنطقة مع تقرير إخباري أعدّه مراسل هيئة الإذاعة البريطانية، ردّ فيه على ما قاله صادق خلخالي، الذي كان قد نفى عبور العراقيين للكارون، وقال حينها بأنّ دبابتين عراقيتين فقط حاولتا التقدم نحو الضفة الشرقية للنهر، إلا أنّهما دخلتا في مستنقع موحل. 

وباختصار شديد تحدث مراسل هيئة الإذاعة البريطانية في تقريره المصورعن المنطقة التي كنّا نقف فوقها فقال :

 نحن الآن على مقربة من محطة تلفزيون وإذاعة عبادان، وعلى بعد حوالي كيلومتر ونصف الكيلومتر منّي تقف طلائع القوات العراقية المدرعة التي تحاصر عبادان من عدة جهات، وتبعد عبّادان عن الموضع الذي أقف فيه بحوالي ثلاثة كيلومترات  

بعد هذه الجولة رجعنا إلى مدينة البصرة، وتم إرسال الأخبارعبر قنوات الإعلام البريطانية التي أكدت عبور القوات العراقية لنهر الكارون الى الكويت عن طريق البصرة. 


___________________                              

نزار السامرائي خريج الجامعة المستنصرية كلية القانون وله دكتوراه قانون إنساني دولي. ولد في بغداد عام 1943 . شغل منصب مدير دائرة الإعلام الداخلي في وزارة الثقافة والإعلام في بداية عقد الثمانينيات. أسر خلال عمليات الشوش دزفول في يوم الأربعاء 24/ 3/ 1982 وبقي في سجون إيران عشرون سنة ثم أطلق سراحه في يوم الثلاثاء 22 /1/ 2002 ووصل الى بيته في اليوم التالي ، الأربعاء 23 . خلال وجوده في الأسر تم نقله إلى وظيفة مدير عام في ديوان رئاسة الجمهورية. نشر كتاب "في قصورآيات الله" عن يومياته وهو أسيرفي سجون إيران .

 

معلومات عن نهر الكارون : 

نهر الكارون - أو نهر القارون - يقع في منطقة الأحواز (الأهواز) العربيّة  في إيران . يقدّر طوله بحوالي 950 كيلو متراً . يسير نهر الكارون حتى يصب فى شط العرب وهى منطقة إلتقاء نهري دجلة والفرات ثم يصب النهر مع شط العرب فى الخليج العربي - الفارسي . يشكل النهر الدلتا الشهيرة بإسم عبادان التي تقع فى جنوب غرب إيران وبالتحديد فى محافظة خوزستان