Friday, August 7, 2020

الحرب العراقية - الإيرانية : تدوين من خدموا فيها - الجزء الثالث

 الأسرى العراقيون في إيران

نزار السامرائي


This is the English Version

 

بالغت إيران في أرقام الجنود والضباط العراقيين الذين أسّرتهم في المعارك طوال حرب الثماني سنوات، حيث تعددت مصادر القيادة والسيطرة في المعارك، لا سيما أن القوات النظامية لها تقوم بتجميع أرقام الخسائر العراقية كلها في بيان واحد، لكن للحرس الثوري بياناته وكذلك البسيج (تعبئة الحرس) له بياناته وكل منهما وبسبب عدم التنسيق يصدر أرقاما عن أعداد لمعركة واحدة لتتضاعف الأرقام من دون حصول تغيير حقيقي في أعداد الأسرى.

أول خسارة كبرى للعراق في الأرض وعدد الأسرى كانت في معركة الشوش- دزفول التي انطلقت في 21 آذار 1982 إذ كان مجمل الأرقام التي أعلنتها مختلف القوات الإيرانية تزيد على 14 ألف أسير. بعد ذلك ما حصل في معركة إعادة سيطرة القوات الإيرانية على مدينة المحمرة (التي بدأت ليلة 30 نيسان على 1 أيار 1982 بعبور نهر الكارون من منطقة الطاهري وتم تطويرها للدخول إلى المحمرة نفسها في 21 /5 /1982) هو أنها انتهت بكل مراحلها في يوم 24 /5 / 1982 وأسفرت المعركة عن سقوط 19 ألف عراقي أسير لدى القوات الإيرانية وفقا لما ورد في بيانات القوات المشاركة في الهجوم.

استعانت اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالأرقام الرسمية المعلنة من إيران ، كما أن اللجنة بدأت تنشط في معسكرات الأسرى العراقيين في إيران ، رغم كل القيود المفروضة عليها ورغم وجود معسكرات سرية تضم الآلاف من الأسرى المعاقبين والمخفيين، كونت فكرة أساسية وبدأت تتعامل معها وكأنها أرقام حقيقية لعدد الأسرى العراقيين، إذ قدرتهم بحدود 85 ألفا. لهذا راحت تطالب بإطلاق سراحهم جميعا استنادا إلى مبدأ الكل مقابل الكل، وبسبب ظروف العراق الصعبة التي رافقت دخوله إلى الكويت وما تعرض له من عزلة عربية ودولية صارعلى استعداد لإبداء مرونة لإيران.

بدأ تبادل الأسرى بين البلدين في يوم 17 /8 /1990 واستمر إلى يوم 15/ 9 /1990 عندما أعادت إيران من نقطة الحدود خسروي- المنذرية عددا كبيرا من الأسرى العراقيين إلى معسكراتهم بحجة عدم وجود ما يقابلهم من الأسرى الإيرانيين.

كان عدد الأسرى الذين تم تبادلهم حتى يوم 15/  9 /1990 ، وفق البيانات المعلنة في أجهزة الإعلام ، 36 ألف أسير من كلا البلدين، أي أن العدد الكلي الذي تم دفعه عبر نقاط الحدود وصل إلى 72 ألف أسير. في يوم واحد المصادف 17 /8 / 1990 دفع العراق سبع آلاف أسير إيراني .

انطلقت مفاوضات ماراثونية بين مندوب العراق الدائم في المقر الأوربي للأمم المتحدة ونظيره الإيراني، لحلحلة هذا الملف المتعثر، حيث ظل العراق يؤكد على أنه لا يحتفظ بأسير واحد ممن تنطبق عليه مواصفات أسرى حرب، وبعد ظروف القصف الأمريكي للعراق وفشل الانتفاضة الشعبانية عام 1991، ركنت إيران  إلى منطق القبول بالأمر الواقع فباشرت بإرسال دفعات من الأسرى العراقيين ابتداء من الأعوام 1992 ووصولا إلى آخر دفعة في 5 /5 /2003.

بعد أسر دام عشرين عاما ، عدتُ إلى العراق من معبر المنذرية يوم 22 / 1/  2002 ضمن دفعة تتألف من 650 أسير تقريبا . بعد ذلك أطلق سراح أسرى عراقيين في ليلة العدوان الأمريكي- البريطاني على العراق عام 2003 أي ليلة 19 على 20 آذار 2003، ثم أعقبتها الدفعة الأخيرة من الأسرى العراقيين يوم 5 / 5/ 2003 والتي أعيد فيها اللواء الركن خميس العلواني (الذي توفي مؤخرا في 15 حزيران 2020). لا أمتلك أية معلومات عن أعداد الأسرى لهاتين الدفعتين .

يمكننا تصنيف الأسرى العراقيين المفترضين في إيران على النحو التالي:-

1 – الأسرى الذين تمت إعادتهم إلى العراق بموجب قواعد التبادل الرسمي والذي استمر على دفعات حتى يوم 5 /5 / 2003 ، والذين وصلوا إلى عشرات الآلاف من دون أن نستطيع الإلمام بعددهم الكلي بسبب التضارب الحاصل في هذا المجال.

2 – الأسرى الذين أثرت عليهم ماكنة الدعاية الطائفية والسياسية الإيرانية، فغادروا الصف الوطني وأصبحوا في خانة ما يسمى بالتوابين، وهؤلاء بأعداد كبيرة جدا، ففي يوم واحد وأثناء أول عرض عسكري أقامه المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في تشرين الثاني 1982 في العراق تم استعراض 15 ألف أسير من التوابين، وتواصلت عمليات الضغط على الأسرى بالتعذيب الجسدي والنفسي والإهمال الطبي والتجويع والعزل عن العالم الخارجي وحجب الإعلام، فتحول كثير منهم من مقاتل عراقي في صف الجيش العراقي، إلى مجند يقاتل ضد بلده في صف العدو، وخرج كثيرون إلى المجتمع الإيراني وتزوجوا وانقطعت صلتهم بالعراق منذ ذلك الوقت.

3 – نتيجة الانتفاضات العديدة التي شهدتها المعسكرات احتجاجا على سوء المعاملة، قامت القوات الإيرانية بفتح النار على الأسرى وقتلت أعداد كبيرة منهم، ولهذا لا تستطيع إعادة جثامينهم لأن أدلة القتل واضحة عليها، هذا إضافة إلى من فقد حياته نتيجة تفشي الأمراض المعدية مثل الإسهال الدموي وهم بأعداد كبيرة أيضا.

4 - قُتل الكثير من العسكريين أثناء المعارك ، حيث بقيت جثامينهم في الأراضي التي يطلق عليها عسكريا بالأرض الحرام* ولم يتم إخلاءُها ، وبالتالي اعتبروا أسرى .  



الأرض الحرام هي الأرض الفاصلة بين قوات بلدين متحاربين لا يمكن الوصول اليها بسبب نيران الأسلحة من قبل الطرفين . 


___________________                              

نزار السامرائي خريج الجامعة المستنصرية كلية القانون وله دكتوراه قانون إنساني دولي. ولد في بغداد عام 1943 . شغل منصب مدير دائرة الإعلام الداخلي في وزارة الثقافة والإعلام في بداية عقد الثمانينيات. أسر خلال عمليات الشوش دزفول في يوم الأربعاء 24/ 3/ 1982 وبقي في سجون إيران عشرون سنة ثم أطلق سراحه في يوم الثلاثاء 22 /1/ 2002 ووصل الى بيته في اليوم التالي ، الأربعاء 23 . خلال وجوده في الأسر تم نقله إلى وظيفة مدير عام في ديوان رئاسة الجمهورية. نشر كتاب "في قصورآيات الله" عن يومياته وهو أسيرفي سجون إيران .