حادث غريب في صيف 1982
استشهاد النقيب إبراهيم الواسطي
أسامة عطار باشي
في منطقة
قريبة من مدينة "جيلان غرب"* الإيرانية والتي تبعد عن مدينة خانقين
العراقية ما يقارب 80 كم ، استقر فوجنا لمسك قاطع من الجبهة. كانت المنطقة تتكون
من سلسلتين جبلية بينهما وادي يمتد لمسافة 15-20 كم، ويتوسط الوادي طريقا معبدا
يمتد من الحدود العراقية - الإيرانية الى
داخل الأراضي الإيرانية ، و كان هناك العديد من القرى المهجورة على حافة الجبل وفي
الوادي.
شهدت المنطقة بعض المعارك قبل وصولنا وعندما كان فوجنا هناك كانت القوات الإيرانية تتمركز على قمة السلسلة الجبلية بينما تمركزت قواتنا العراقية على الحافات السفلى للسلسلة الجبلية ، كما كان بعض الجنود موجودين
في ملاجيء حماية على حافة طريق السيارات في منتصف الوادي. نتيجة لذلك التموضع كانت
الحركة محدودة جداً أثناء النهار حيث كنا نبقى يقظين طوال الليل وننام بعد بزوغ
الضوء ، ويبدأ يومنا بعد الظهرأوقبيل المغرب فنتناول الفطور بين الساعة 2 و4
تقريبا ويكون غداءُنا بعد المغرب عادة، وهكذا كانت الأيام تمضي بشكل روتيني هاديء..
لم يكن من
المتوقع حدوث مجابهات او معارك في تلك المنطقة لكون الوضع هادئا، وكان مقر فوجنا في
بداية السلسلة الجبلية على يسار الطريق، وهوعبارة عن مجموعة من البيوت الصغيرة في
احدى القرى المهجورة. كان النقيب احتياط إبراهيم من الأصدقاء المقربين ذو شخصية
مرحة محبة للحياة، ويشكو دائما من عبثية
هذه الحرب وكيف انها تأكل رجال العراق. كنا نقضي معظم الوقت سوية وبمعية آمرالفوج
الرائد عبد الجبار.
ظل النقيب
ابراهيم يطلب مني ان نذهب الى الحلاق لأيام عديدة ولكني لم أكن متحمسا للذهاب معه.
و لم يكن في فوجنا حلاقا آنذاك لذا يجب علينا ان نذهب الى مقر الفوج الآخر الذي
يبعد عنا ما يقارب 10-15 دقيقة بالسيارة.
في أحد الأيام قال ابراهيم اننا يجب
ان نذهب الى الحلاق وأرادني أذهب معه، فاتفقنا على الذهاب في اليوم التالي بعد
حلول الظلام. في الصباح وعلى مائدة الفطور قال لي ابراهيم اننا اليوم
سنذهب الى الحلاق ليلا، فأكّدت ذلك . عندما حلّ الظلام أتاني ابراهيم الى باب
غرفتي وقال انه ينتظرني في سيارة الواز (السيارة العسكرية الروسية التي
تتسع ل 4 اشخاص) ، فقلت له اني سأدخل الى الغرفة لألبس البسطال والحق به .
دخلتُ غرفتي
وجلست على سريري لبعض الوقت، ولا ادري ما السبب الذي دفعني لذلك ولكني خرجتُ لأخبر
ابراهيم وهو في السيارة بأني لن اذهب معهُ اليوم ، فغضب وقال إذن سيذهب هو لوحده ،
وأمرالسائق ان يتحرك وكان معه أحد الجنود.
جلستُ انتظر
ابراهيم . توقعتُ أن يعود بعد ما يقارب الساعة ، ولكنه تأخر وطال الإنتظار . وبعد حوالي
الساعتين جاء الخبر من أحد مواضع الجنود على الطريق الرئيسي بان احدى السيارات على
الطريق واقفة وهي معطلة، فركبتُ السيارة مع الآمر وذهبنا لإستطلاع الأمر، ولما
وصلنا وجدنا النقيب ابراهيم قد أصيب بطلق ناري في الجهة اليمنى من البطن قرب منطقة
الكبد، ولم يكن هناك أثر لمن كان معه (السائق والجندي المرافق).
بعد قليل واذا
بالسيد آمر اللواء (الشهيد سلطان هاشم احمد، وزير الدفاع فيما بعد) يحضر الى المنطقة ويستطلع مكان
الحادث، حيث كان من الغريب ان تستطيع المجموعة الإيرانية في الوصول الى هذه المنطقة قرب الطريق الرئيسي في منتصف
الوادي بدون ان يتم اكتشافها من قبل القوات القريبة، مما يعني انها قد تسللت بين
القوات العراقية المنتشرة على سفح الجبل ، ولم استطع تفسير هذا الأمر لفترة طويلة.
طلب السيد آمر
اللواء مجموعة من قوات المغاوير بالإضافة الى قوات اخرى باستطلاع وتمشيط سفح
الجبل في محاولة اللحاق بالقوة المتسللة وإعادة الجنود الأسرى ، واستمرت عملية البحث
عنهم حتى الفجر ولكن بدون نتيجة.
وهكذا استشهد الرفيق والصديق ابراهيم الواسطي .
*الجيم في كلمة "جيلان" تلفظ كالجيم المصرية
ملاحظة من موقع تاريخ العراق : ابتدأت الحرب العراقية - الإيرانية في الرابع من أيلول 1980 عندما قصفت إيران بعض المدن العراقية القريبة من الحدود الإيرانية . أنقروا على هذه النبذة المختصرة للإطلاع .